18-يناير-2024
لوحة لـ عيسى ديبي/ فلسطين

لوحة لـ عيسى ديبي/ فلسطين

نشرت الكاتبة والمحللة النفسية الإسبانية، لولا لوبيز مونديجار، مقالًا في جريدة الباييس، بعنوان "العار العلماني في غزة"، تناولت فيه عدم فاعلية المؤسسات الدولية في وقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وغياب مفهوم العار من عالمنا.

انطلقت مونديجار في مقالها من الرسالة المفتوحة التي وجّهها الناشط الألماني أرمين فيجنر إلى أدولف هتلر، في 11 نيسان/أبريل 1933، منددًا باضطهاد اليهود.

في 19 أيلول/سبتمبر، ألقي القبض على فيجنر من قبل جهاز الغستابو، الذي قام بسجنه وتعذيبه. وحين أُطلق سراحه عام 1934 هرب إلى روما ليعيش باسم مستعار.

تقول الكاتبة: "في رسالته، أكد فيجنر على حقيقة أن ألمانيا بُنيت بجهود ومواهب اليهود، وأن مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى، حيث خدم هتلر نفسه، إنما كانت بوصفهم مواطنين ألمانيين. لكن الأكثر إثارة للاهتمام في الحجة التي وجهها دعاة السلام إلى هتلر تنطوي على مفهوم كان أيضًا على لسان مثقفين أوروبيين آخرين في ذلك العصر، مثل غونتر أندرس، والذي أصبح اليوم معرضًا لخطر الانقراض، ألا وهو مفهوم العار".

وتضيف: "اعتقد فيجنر أنه إذا لم يتمكن هتلر من إيقاف الموجة المتنامية من معاداة السامية في ألمانيا، فسوف يُغطى بالعار، وهو عار علماني. "على من ستقع نفس الضربة التي يُراد توجيهها لليهود اليوم إن لم تكن علينا؟" تساءل فيجنر. ولجأ إلى مفهوم آخر من الواضح أنه غير صالح للاستخدام اليوم، وهو مفهوم الكرامة. الدفاع عن كرامة الشعب الألماني! سأل بسذاجة الدكتاتور المستقبلي".

بالنسبة للكاتبة لولا لوبيز مونديجار، فقد حولت حكومة "إسرائيل" اليمينية الشعب الفلسطيني بأكمله إلى أشياء، أو "حيوانات بشرية"، وهي مشغولة بإبادتهم، وقتل المدنيين بشكل عشوائي

وضمن هذا السياق، ترى الكاتبة أن العار العلماني يجب أن يصيب البشرية جمعاء، لأن "الكرامة الإنسانية باتت في خطر بعد 90 عامًا، على أيدي أولئك الذين يمثلون الشعب الذي أراد فيجنر الدفاع عنه. ولأن السن بالسن، والعين بالعين، وبالألف، فإن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية هو مرة أخرى عملية تطهير عرقي، وإبادة جماعية كتلك التي عانى منها الجلادون اليوم".

وبالنسبة لمقال لولا لوبيز مونديجار، فقد حولت حكومة "إسرائيل" اليمينية الشعب الفلسطيني بأكمله إلى أشياء، أو "حيوانات بشرية"، وهي مشغولة بإبادتهم، وقتل المدنيين بشكل عشوائي، وبما أن معظمهم من الأطفال فكأنهم "يعتزمون محو الجيل القادم".

تقول الكاتبة في توصيف اليهود الصهاينة: "يبدو الأمر كما لو أن مكانة الضحايا التي حصلوا عليها ذات يوم بشكل مشروع أعطتهم الحق في استخدام العنف غير المتكافئ، والكراهية التي كانوا هدفًا لها انقلبت ضد الفلسطينيين الذين تم تجريدهم من إنسانيتهم اليوم، مثلما كانوا هم أنفسهم (أي اليهود) في ذلك الوقت. من المهم هنا أن نفرق بين دولة إسرائيل وسكانها ويهود العالم، على الرغم من أن 57 % من الأغلبية اليهودية الإسرائيلية تعتقد أن القوة المستخدمة ضد السكان المدنيين في غزة والضفة الغربية غير كافية، وهو ما يتفق مع الرأي العام الإسرائيلي. أنفسهم مع حكومتهم".

تعتبر مونديجار أن ما يحدث في غزة واحد من أكثر الأحداث التي تحرّك ضمائر مواطني العالم، بما في ذلك، اليهود الأرثوذكس والعلمانيين، لكن رغم زخم المظاهرات لا يتحقق وقف إطلاق النار.

وبسبب ذلك بات العالم يُدرك عدم فعالية حراك المواطنين، وعدم جدوى المؤسسات الدولية مثل "الأونروا" أو "منظمة الصحة العالمية"، أو المنظمات غير الحكومية مثل "أطباء بلا حدود" أو "منظمة العفو الدولية"؛ في المطالبة بالسلام، لأن استخدام الولايات المتحدة للفيتو يؤكد دعمها للحرب وعجز مواطنيها عن التأثير عليها.

تشير الكاتبة إلى آلية نفسية هامة يسببها الغضب والسخط السياسي، وتأتي كرد فعل على العجز والشعور العميق بأنه ما من شيء مما نفعله سيغير الوضع. وهذه التقنية هي الانسحاب إلى الفردية وهجر الحياة السياسية.

ومع ذلك، لن يكون هناك أي عار علماني يمكن أن يخلصنا لأننا محونا المسافة بين ما نحن عليه وبين مُثُلنا، ولأن هذه، إن وجدت، قد خفّضت بشكل خطير عتبة ما هو إنساني.

وللإجابة عن سؤال: "ما العمل في مواجهة التراجع التدريجي في قيمة الحياة والكرامة الذي يكشفه هذا الصراع؟"، تقول: "إن الخوف من العار الفردي والجماعي، على حد تعبير حنة أرنت، هو ما حرك ضمائر الحكام، وشكّل بضعة رجال ونساء عادلين. لكننا اليوم نفتقر إلى هذا الترياق. إن الكرامة والأخلاق، والعار الذي يجعلنا نحمر خجلًا، هو نتيجة لكلٍّ منها، ويشكل في بعض الأحيان كابحًا وحافزًا لمحاربة العنف الذي من شأنه أن ينقلب ضد الجناة وذريتهم في حالة ارتداد، لكننا اليوم لم نعد نعرف ما تعنيه هذه المفاهيم، أو أين علينا البحث عنها".

وأكدت: "لقد رأينا عدم جدوى مؤسساتنا الدولية في وقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، أو قصورها عن اتخاذ إجراءات عاجلة وكافية ضد تغير المناخي، لكننا لا نشعر بذلك العار العلماني الذي ألمح إليه فيجنر، ولكن بألم باهت مجهول الاسم، نلمس آثاره بالفعل في شبابنا المتألمين اليائسين، والمجردين من مستقبلهم وكرامتهم، والذين نمت أفكارهم الانتحارية إلى درجة أنها أثرت على ثلث طلاب الجامعة".

وختمت الكاتبة مقالها بالقول: "إن الشكوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي، والتي تتهم فيها دولة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، يمكن أن توفر بصيص ضوء نعلق عليه آمالنا المحطمة".